Telegram Group & Telegram Channel
حرب غزة يوميات ومشاهدات [21]
(الحرب والحر)
دخلت غزة بعد خطف الجندي (جلعاد شاليط) سنة 2006 في نفق لم تخرج منه إلى يوم الناس هذا، وضُرب عليها حصار شديد ما زالت تبعاته كذلك إلى اليوم.
وكان من أشد ما عانى منه الناس في ذلك الحصار الظالم انقطاعُ الكهرباء، وأذكر أيامه الأولى يوم كان الناس يفترشون أبواب بيوتهم ويبيتون في العراء من شدة الحر، ومنذ تلك الأيام واليهود ومن تآمر معهم من الخونة يُحْكمون الحصار، ويشتدُّون في أمر الكهرباء؛ لعلمهم بشدة الحاجة إليها.
جرَّب الناس هنا كل شيء للخروج من الأزمة، استعملوا الشمع، ثم مصابيح الكاز، ثم (شَنابِر) الغاز، ثم الكشافات بأنواعها، ثم مولِّدات الكهرباء بأنواعها، ثم أجهزة الــ (ubs)، ثم البطاريات و(لمبات اللِّد)، ثم ألواح الطاقة الشمسية، ثم التحايل على خطوط الكهرباء وقتَ توزيع الأحمال، ثم الاشتراك في المولدات الكبيرة المنتشرة في الأحياء.. في جهاد كبير لا يعرفه إلا من عاش في غزة، وأنا أعلم أن من يقرأ هذا من خارج غزة لا يمكنه تصور الأمر على جَلِيَّته، بل إن الأجيال الناشئة اليوم لم تلحق المراحل الأولى من هذا العناء.
وفي هذه الرحلة الطويلة الشاقة مات مئات الغزيين من الشمع والكاز والغاز والمولدات وغيرها مما ألجأتهم إليها تصاريف الأيام، ومات كذلك عشرات العاملين في شركة الكهرباء وغيرها وهم يصلحون الخطوط ويعالجونها.
الكلام عن معاناتنا مع الكهرباء طويل ومؤلم ألمَ هذه الحرب التي نحيا فصولها هذه الأيام، ولو استرسلتُ لطال الكلام وخرجنا عن المقصود.
وصل الناس إلى ما يمكن تسميته (التعايش مع الظلام)، ففي أحسن الظروف تكون ساعات الوصل مثل ساعات القطع، وهذا قلما يحصل، ومع طول الإِلفْ فإن الناس كانوا يفرحون بمجيء الكهرباء، ويرون ذلك شيئا جميلا يستحق التصفيق والتهليل والتكبير، ومن كان في غزة فإنه يسمع هذه الأصوات أو بعضها من الشوارع والبيوتات.
جاءت هذه الحرب فأنْست الناسَ الماء والكهرباء والطعام والشراب، بل أنستهم أنفسهم، وقلنا: الحمد لله أنها جاءت والصيف في إدبار والشتاء في إقبال، فلا نعاني من الحر، فدارت علينا الدائرة، وذهب الشتاء وجاء الصيف وجاءت معه أنفاس جهنم والحمد لله على كل حال.
هبت على الناس أمسِ موجةُ حر شديدةٌ لافحة (وما دخل الصيف بعد)، والكهرباء بعد بدء الحرب بثلاثة أيام لم يرها الناس يقظة ولا مناما، إلا قليل ما يُستخرج من بعض ما ذكرته لكم، الحر في البيوت شديد، وفي الخيام أشد وأشد وأشد، وإذا خرجت لقضاء حاجاتك (ولا بد من الخروج) لم تجد سيارة تركبها؛ للغلاء الفاحش في أسعار المحروقات.
قَدَركم يا أهل غزة أن تركبوا الأهوال طَبَقا عن طبق، وأن تتقلب بكم المحن وتتقلبوا بها، فاصبروا وصابروا، واحتسبوا ما يصيبكم في ذات الله تعالى؛ فإن أعظم ما يهون المصابَ أن يكون في الله (فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) [آل عمران: 146].
وقد ألمح الحافظ ابن رجب في "اللطائف" إلى معنى عظيم، حاصله: أن الله سبحانه خلق لعباده دارين يجزيهم فيهما بأعمالهم، فإحداهما دار نعيم أبدي لا شقاء فيه، والأخرى دار شقاء أبدي لا نعيم فيه، وخلق لهم دارا معجَّلة هي الدنيا، أرسل إليهم فيها الرسل، وأنزل الكتب، فرغَّبهم في دار النعيم، وخوفهم من دار الشقاء، وجعل الله تعالى هذه الدار المعجلة ممزوجة بالنعيم والألم، فما فيها من النعيم يذكر بالجنة، وما فيها من الألم يذكر بالنار، ففي الدنيا أشياءُ كثيرةٌ تذكرك بالجنة، وفيها كذلك ما يذكرك بالنار.
فهذا الذي نحن فيه من الحر والحرب والعذاب يذكرنا بالنار، وإنا لنرجو ربنا الكريم ألا يجمع علينا عذاب الدنيا والآخرة، وأن يجعل ما أصابنا في هذه الدار المعجَّلة كفارة ورفعة في الآخرة، إنه هو البر الرحيم.
وأنتم يا أصحاب الجمعيات والمؤسسات الخيرية الإغاثية، مع ما بقي من الأجهزة العاملة في الحكومة: دونكم أهلَكم وإخوانكم، هيئوا لهم ما تستطيعون مما يخفف عليهم شدة الحر وعذاب الصيف القادم، فإن الحاجة إليه عظيمة، لا تقل عن الحاجة للطعام والشراب وضرورات الحياة.
اللهم اجعل لنا ولإخواننا المستضعفين من المسلمين من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ومن كل عسر يسرا، ومن كل بلاء عافية.
بسام بن خليل الصفدي
الخميس 16 شوال 1445
https://www.tg-me.com/no/الشيخ بسام بن خليل الصفدي/com.DBasam
https://chat.whatsapp.com/ChJRf2EAlsQ22vzZtLEzy2



tg-me.com/DBasam/2862
Create:
Last Update:

حرب غزة يوميات ومشاهدات [21]
(الحرب والحر)
دخلت غزة بعد خطف الجندي (جلعاد شاليط) سنة 2006 في نفق لم تخرج منه إلى يوم الناس هذا، وضُرب عليها حصار شديد ما زالت تبعاته كذلك إلى اليوم.
وكان من أشد ما عانى منه الناس في ذلك الحصار الظالم انقطاعُ الكهرباء، وأذكر أيامه الأولى يوم كان الناس يفترشون أبواب بيوتهم ويبيتون في العراء من شدة الحر، ومنذ تلك الأيام واليهود ومن تآمر معهم من الخونة يُحْكمون الحصار، ويشتدُّون في أمر الكهرباء؛ لعلمهم بشدة الحاجة إليها.
جرَّب الناس هنا كل شيء للخروج من الأزمة، استعملوا الشمع، ثم مصابيح الكاز، ثم (شَنابِر) الغاز، ثم الكشافات بأنواعها، ثم مولِّدات الكهرباء بأنواعها، ثم أجهزة الــ (ubs)، ثم البطاريات و(لمبات اللِّد)، ثم ألواح الطاقة الشمسية، ثم التحايل على خطوط الكهرباء وقتَ توزيع الأحمال، ثم الاشتراك في المولدات الكبيرة المنتشرة في الأحياء.. في جهاد كبير لا يعرفه إلا من عاش في غزة، وأنا أعلم أن من يقرأ هذا من خارج غزة لا يمكنه تصور الأمر على جَلِيَّته، بل إن الأجيال الناشئة اليوم لم تلحق المراحل الأولى من هذا العناء.
وفي هذه الرحلة الطويلة الشاقة مات مئات الغزيين من الشمع والكاز والغاز والمولدات وغيرها مما ألجأتهم إليها تصاريف الأيام، ومات كذلك عشرات العاملين في شركة الكهرباء وغيرها وهم يصلحون الخطوط ويعالجونها.
الكلام عن معاناتنا مع الكهرباء طويل ومؤلم ألمَ هذه الحرب التي نحيا فصولها هذه الأيام، ولو استرسلتُ لطال الكلام وخرجنا عن المقصود.
وصل الناس إلى ما يمكن تسميته (التعايش مع الظلام)، ففي أحسن الظروف تكون ساعات الوصل مثل ساعات القطع، وهذا قلما يحصل، ومع طول الإِلفْ فإن الناس كانوا يفرحون بمجيء الكهرباء، ويرون ذلك شيئا جميلا يستحق التصفيق والتهليل والتكبير، ومن كان في غزة فإنه يسمع هذه الأصوات أو بعضها من الشوارع والبيوتات.
جاءت هذه الحرب فأنْست الناسَ الماء والكهرباء والطعام والشراب، بل أنستهم أنفسهم، وقلنا: الحمد لله أنها جاءت والصيف في إدبار والشتاء في إقبال، فلا نعاني من الحر، فدارت علينا الدائرة، وذهب الشتاء وجاء الصيف وجاءت معه أنفاس جهنم والحمد لله على كل حال.
هبت على الناس أمسِ موجةُ حر شديدةٌ لافحة (وما دخل الصيف بعد)، والكهرباء بعد بدء الحرب بثلاثة أيام لم يرها الناس يقظة ولا مناما، إلا قليل ما يُستخرج من بعض ما ذكرته لكم، الحر في البيوت شديد، وفي الخيام أشد وأشد وأشد، وإذا خرجت لقضاء حاجاتك (ولا بد من الخروج) لم تجد سيارة تركبها؛ للغلاء الفاحش في أسعار المحروقات.
قَدَركم يا أهل غزة أن تركبوا الأهوال طَبَقا عن طبق، وأن تتقلب بكم المحن وتتقلبوا بها، فاصبروا وصابروا، واحتسبوا ما يصيبكم في ذات الله تعالى؛ فإن أعظم ما يهون المصابَ أن يكون في الله (فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) [آل عمران: 146].
وقد ألمح الحافظ ابن رجب في "اللطائف" إلى معنى عظيم، حاصله: أن الله سبحانه خلق لعباده دارين يجزيهم فيهما بأعمالهم، فإحداهما دار نعيم أبدي لا شقاء فيه، والأخرى دار شقاء أبدي لا نعيم فيه، وخلق لهم دارا معجَّلة هي الدنيا، أرسل إليهم فيها الرسل، وأنزل الكتب، فرغَّبهم في دار النعيم، وخوفهم من دار الشقاء، وجعل الله تعالى هذه الدار المعجلة ممزوجة بالنعيم والألم، فما فيها من النعيم يذكر بالجنة، وما فيها من الألم يذكر بالنار، ففي الدنيا أشياءُ كثيرةٌ تذكرك بالجنة، وفيها كذلك ما يذكرك بالنار.
فهذا الذي نحن فيه من الحر والحرب والعذاب يذكرنا بالنار، وإنا لنرجو ربنا الكريم ألا يجمع علينا عذاب الدنيا والآخرة، وأن يجعل ما أصابنا في هذه الدار المعجَّلة كفارة ورفعة في الآخرة، إنه هو البر الرحيم.
وأنتم يا أصحاب الجمعيات والمؤسسات الخيرية الإغاثية، مع ما بقي من الأجهزة العاملة في الحكومة: دونكم أهلَكم وإخوانكم، هيئوا لهم ما تستطيعون مما يخفف عليهم شدة الحر وعذاب الصيف القادم، فإن الحاجة إليه عظيمة، لا تقل عن الحاجة للطعام والشراب وضرورات الحياة.
اللهم اجعل لنا ولإخواننا المستضعفين من المسلمين من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ومن كل عسر يسرا، ومن كل بلاء عافية.
بسام بن خليل الصفدي
الخميس 16 شوال 1445
https://www.tg-me.com/no/الشيخ بسام بن خليل الصفدي/com.DBasam
https://chat.whatsapp.com/ChJRf2EAlsQ22vzZtLEzy2

BY بسام بن خليل الصفدي




Share with your friend now:
tg-me.com/DBasam/2862

View MORE
Open in Telegram


الشيخ بسام بن خليل الصفدي Telegram | DID YOU KNOW?

Date: |

That growth environment will include rising inflation and interest rates. Those upward shifts naturally accompany healthy growth periods as the demand for resources, products and services rise. Importantly, the Federal Reserve has laid out the rationale for not interfering with that natural growth transition.It's not exactly a fad, but there is a widespread willingness to pay up for a growth story. Classic fundamental analysis takes a back seat. Even negative earnings are ignored. In fact, positive earnings seem to be a limiting measure, producing the question, "Is that all you've got?" The preference is a vision of untold riches when the exciting story plays out as expected.

Unlimited members in Telegram group now

Telegram has made it easier for its users to communicate, as it has introduced a feature that allows more than 200,000 users in a group chat. However, if the users in a group chat move past 200,000, it changes into "Broadcast Group", but the feature comes with a restriction. Groups with close to 200k members can be converted to a Broadcast Group that allows unlimited members. Only admins can post in Broadcast Groups, but everyone can read along and participate in group Voice Chats," Telegram added.

الشيخ بسام بن خليل الصفدي from no


Telegram بسام بن خليل الصفدي
FROM USA